ما يمكن التأكيد عليه هنا أن التأدب بآداب الإسلام العامة والخاصة يعطي حواراً إيجابياً ومن بين هذه الآداب العامة:
إخلاص النية : تعتبر النية أصلاً أساسياً في جل العبادات والمعاملات وبها تتميز العبادة عن العادة ، ولهذا يجب على كل متحاور أن يخلص النية في جداله وحواره ويكون قصده في ذلك التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته في امتثال أمره فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحق وإزهاق الباطل فلا يقصد المباهاة وطلب الجاه والرياء.
التقوى : وهي فضيلة أراد بها القرآن أحكام ما بين الإنسان والخلق وإحكام ما بين الإنسان وخالقه ، ولذلك تدور هذه الكلمة ومشتقاتها في أكثر آيات القرآن الأخلاقية والاجتماعية ، والمراد أن يتقي الإنسان ما يغضب ربه وما فيه ضرر لنفسه أو ضرر لغيره وبهذا يكون الحوار مأطر بحصانة التقوى .
الصبر : لأن عمدة الأمر في استخراج الغوا مض وإثارة المعاني هو الصبر على التأمل والتفكير ولولا الصبر لانهارت نفس الإنسان من البلايا التي تنزل عليه . ولأصبح عاجزاً عن السير في ركب الحياة، وأصبح في حالة يكفر فيها بالقيم الأخلاقية فضلاً على أنه يصبح عنصر شر لا نفع منه منعزلاً عن المجتمع ومنفعلا مع مكوناته .
السماحة والتخلي عن التعصب: أي تخلي كل الفريقين اللذين تصديا للمحاورة الجدلية حول موضوع معين عن التعصب لوجهة نظره السابقة وإعلانهما الاستعداد التام للبحث عن الحقيقة والأخذ بها عند ظهورها سواء كانت هي وجهة نظره السابقة أو وجهة نظر من يحاوره أو وجهة نظر أخرى. وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى الأخذ بهذه القاعدة: إذ علم الرسول صلى الله عليه و سلم أن يقول للمشركين في مجادلته لهم(( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) وفي هذه الآية غاية التخلي عن التعصب لأمر سابق، وكمال الرغبة بنشدان الحقيقة أنى كانت والسماحة وعدم التعصب لا يعنيان بالضرورة الانهزام بل هما أوج القوة الفكرية وسمو التربية الروحية . كما أن لكل موضوع ضوابط يتبين بها مدى تسامح / تعصب المتحاورين ، أضف إلى ذلك أن عدم التعصب \ السماحة لا يعني بالضرورة التخلي والاستسلام ونهج ما يرتضيه الغير وإن كان في ذلك مخالفة للنقل الصحيح والعقل الراجح، ولكن المقصود عدم اضطرار الغير إلى مطابقة تفكيره تفكيرك .
سلوك الحسنى : مصداقا لقوله تعالى (( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) ومن تأمل الآية الكريمة وجد أنها لا تكتفي بالأمر بالجدال بالطريقة الحسنة ، بل أمرت بالتي هي أحسن ، فإذا كان هناك طريقتان للحوار والمناقشة : أحدهما حسن والأخر أحسن منها . وجب على المسلم أن يجادل بالتي هي أحسن جذبا للقلوب وتقريبا للأنفس المتباعدة .