ـ العانس
جلست في شرفة المنزل تحتسي الشاي مع صديقاتها ، فبدت ملامحها متشنجة تخفي توتراً أضفى على لونها اضطراباً ملحوظاً ، فدار الحديث بينهن عن الزواج و مشاكل الأطفال ، بدت معرضة شاركتهن دون حماسة إذ سرعان ما أدارت دفة الحديث لتثير قضايا العمل و همومه و معاناته ، قالت إحداهن وهي تشتكي إهمال زوجها :
- لقد أرهقني أمس تدريس الأطفال ، فزوجي عصبي لا يصيبر على هذه المهمة
أجابت سناء و قد احتدت لهجتها :
- الرجال كلهم أنانيون ، لا يستحقون إخلاص المرأة و معاناتها .
قالت أخرى :
- ليس هذا الحكم قاطعاً ، فهناك الرجل المعطاء و هناك الأناني
أصرت سناء بغضب :
- بل كلهم هكذا ، يهملون زوجاتهم و أبناءهم بينما ينجرفون نحو نزواتهم و أهوائهم الخاصة
ثارت الضيفة الثالثة فأردفت :
- إنما من يفعل ذلك هو شواذ من الرجال وليس الغالبية يا عزيزتي
قهقهت سناء بعصبية مفتعلة :
- بل كلكن مخدوعات بأزواجكن ، لا تأمن لهم !
راقت لإحداهن الفكرة فقالت :
- كلامك صحيح .. يجب أن ننتبه إلى أزواجنا .. ربما الروتين و الرتابة يدفعهم إلى الخيانة
قالت سناء :
- لفرط ما سمعت بهذه الخيانات .. كرهت و الزواج و نبذت الرجال !
تنهدت إحدى الصديقات متبرمة :
- ماذا نفعل ؟! فالزواج شر لابد منه .
أردفت سناء و هي تحدق بهن :
- هيا تناولن الفطائر فقد أعددتها خصيصاً لكن .
قالت إحدى الصديقات و هي تقضم فطيرتها :
- إنك فتاة مثالية يا سناء ، أين عيون الرجال عنك ، فأطباقك لذيذة ، و بيتك مرتب و نظيف ، لا يقصك شيء ..
امتعضت سناء ساخطة كأنها تندب حظها :
- بل ينقصني الكثير يا عزيزتي ، ينقصني الوجه الجميل الذي يجذب العرسان ، ينقصني الجسد الرشيق الذي يشد إلي الرجال ، أبدو في ثوبي هذا كشجرة الجميز الضخمة .
ضحكت الصديقات و عرفن أنها مزحة جريحة تخرج من فؤاد سناء بحزن و أسى لأنها تبكي من الأعماق ، فمزاحها يتحول أحيانها يتحول أحياناً إلى قطرات نازفة من الألم تسكن جرحها المزمن ، سنوات طويلة لم يطرق بابها خاطب أو طالب قرب ، تعيش مع جدتها في هذا البيت الكبير ، إذ تخطت الثلاثين بسنوات و حلم أنوثتها قد تبدد و أمالها كفتاة قد ذوت ، لم يعد أمامها الآن سوى السراب أصبح الليل بسواده هم كبير يطبق على صدرها كالشبح المخيف ، و نهارها انتظار طويل لومضة أمل أوشكت أن تغفو على مر السنين
في سنواتها العشرين كانت تشتعل حماسة و تتدفق حيوية ، احترقت لتعطي صباها بحب و إيثار دون أن تقصد في ذلك أو تخطط لمستقبل موعود إنما هكذا أحبت أن تعطي و ترضخ لواقعها بانبساطية و تلقائية تجد فيها راحة و سكون ، لكنها الآن تقف في حيرة من أمرها فثمة احتياجات نفسية تثور داخلها و تغزو صحتها ، إنها تحاول أن تقفل المنافذ على نفسها حتى تعايش حياتها كما كانت . ماذا تريد ؟! ماذا ستفعل غداً؟ نظرات جدتها المشفقة تستفزها لتصرخ ، ماذا وراءك ؟ ألست الآن مديرة في عملي ، لي منصب كبير ، و راتب ضخم ، لم كل هذا الإنكسار الذي أصبح كالسكين في خاصرتي ؟ أرجوك يا جدتي . كفي عن هذا الهراء !
تفهم الجدة لواعج حفيدتها و حرارة قلبها ، تفهم أمنياتها في بناء أسرة متعذرة و لفتات الناس المريبة تغيظها ، تفهم أمنياتها في بناء أسرة متعذرة و لفتات الناس المريبة تغيظها ، فكل أفعالها الغاضبة تعلل بعنوستها ، و تصرفاتها المتذبذبة تعزى إلى إحساسها بالوحدة ، و كأن كل المتزوجات ساكنات و ديعات لا يغضبن ، لا يصرخن ، إنه منطق سخيف يحاصرني الناس به ، هكذا بدت سناء مضطربة تصارع الزمن لتنكر حقيقة دفينة تصرخ في كيانها كنبع شلال متدفق ن لكن الواقع بعفويته يفرض عليها نمطاً و سلوكا
ً حاداً ، فالصغيرات اللاتي حولها قد تزوجن و أنجبن ، كل موظفاتها كسولات ، يتغيبن عن العمل ، يهملن واجباتهن ، فتصرخ بغضب (( إن مسيرة العمل المتعثرة بسبب كسلكن )) الظروف الأسرية ، الأزواج ، الأولاد . أسباب واهية تقطع الطريق عن العطاء المستمر .
تشتكي الموظفات من تعسف المديرة سناء و قسوتها و عدم إحساسها بالمعاناة الإنسانية ، إنها عانس حاقدة ، هكذا يصفنها و هن غاضبات .
أروع أيامها ، يوم الخميس حيث تجتمع مع صديقاتها الحميمات في شرفة المنزل لتناول الشاي ، إنهن يفهمنها و يستوعبن طباعها الحادة ، و يتوقعن ردود أفعالها
لكن لأحاديثهن مذاق مر بدأت مرارته تلسع مشاعرها ، فأخذت تتعلل بالتعب و الإرهاق لتتملص من هذه الأمسيات ، فضقن صديقاتها ذرعاً من هذه الأعذار ففهمن أنها استغنت عن هذه الصداقة . فبردت عرى المحبة بينهن مع الأيام ، فوجدت سناء نفسها وحيدة تلتهمها مشاعر الوحشة و الغربة ، تقف مذهولة أمام مرآتها لتجد عينيها و قد ضاقتا أكثر من قبل و أنفها الأفطس بدى مزعجاً للغاية ، و وجهها الكبير الذي حفرت آثار الندبات فوق مساماته فغدا منطفئاً قاسياً ، لا يحمل ملامح الطيبة و الرحمة ، تود لو تحطم المرآة و تتأمل وجه جدتها الجميل الذي يقطر نعومة و عذوبة رغم كبر سنها ، و لمعة صافية مشربة بحمرة و تتساءل في سرها لم أبت عليها الأقدار أن ترث جمال أمها و جدتها ، إنها نسخة طبق الأصل من أبيها المرحوم ، بلونه الشاحب ووجهه الكبير ، و فكه العريض ، ملامح رجل عنيف و جسد ضخم ممتلئ لا يحتمل الثياب الرقيقة ، فارتدت البنطلون و الجاكيت لتحمي نفسها من نظرات السخرية المختلسة .
فكرت مراراً في إجراء عملية تجميل ، إذ سمعت عن هذه العمليات و النجاحات الباهرة التي حققها الجراحون ، و استشارت في هذه القضية لكن الأصوات كلها تصرخ ( لا ) فعدلت عن هذا القرار فأمامها مشكلة أخرى ، الزمن الذي يأكل أنسجتها و عروقها و يتغلغل في شرايين جسدها و يطويها تحت جناحيه القاسيين دون رحمة ،فقد بلغت سن الأربعين و عيناها تدمعان حينما تلحظان تلك الشعيرات البيضاء المتسللة في سواد رأسها و خطوط غزيرة تحفر عنوان الزمن المر حول عينيها ، إنها مستاءة . و جدتها تكبت حزنها الدفين خشية أن تثير غضبها و استيائها ، فسناء صارت مرعبة ، مخيفة ، تصرخ حتى تكاد عروقها المنتفخة في رقبتها أن تتمزق ، حتى الخادمات لم يسلمن من ضربها العنيف ، فهربن من البيت ، التفاهات الصغيرة تحولت إلى جرائم تستحق عقوبات قاسية !
قد تضخم الطغيان في ذاتها ، و إحساسها بأنوثتها قد تنكرت له ، إذ أنها استعذبت طعم الرجولة في سرها و تشبهت بهذا المظهر ، و كرهت في أعماقها كل الرجال ، إنها تحقد عليهم جميعاً فهم سبب الخيانة و الظلم و الفساد ! ماذا عساها أن تفعل الآن ؟! من يطيق هذه الشخصية الجديدة التي يلعنها الموظفون و الموظفات و الأهل و الجيران ، لسانها السليط ، نظراتها القاسية التي تغرسها في الصدور ، مزاجها الحاد الذي يلهب إحساس جدتها بالتجريح و المهانة .
انتقدت النساء ومجالسهن الفارغة ، و اهتماماتهن التافهة ، و أدمنت على محاربتهن و تجريحهن بالنعوت الجارحة و الأوصاف القبيحة ، حتى حدثت مواجها عنيفة بينها و بين جدتها .
قالت الجدة غاضبة :
- ما كان لك أن تجرحي أم حسين لأنها حملت مرات عديدة !
أجابت ساخرة :
- إنها ماكنة تفريخ ليس إلا !
- أرجوك يا سناء لا تحرجيني أمام الناس ، تلك النسوة أهلنا و أحبتنا و أنت فتاة مثقفة و ناضجة تفهمين معنى احترام الناس !
عنفت جدتها بشدرة :
- إذن دعك مع هذه الشرمذة المتخلفة و لا تطالبيني بتوصيلك إليهم .
حاولت الجدة أن تتماسك :
- لا .. يبدو أنك غير طبيعية !
صرخت سناء بغيظ :
- نعم لست طبيعية ! خذيني إلى مستشفى المجانين لترتاحي مني !
ذهبت سناء إلى غرفتها ثائرة ، عنيفة ، و خبطت الباب بقوة أفزعت من في البيت ، قلقت الجدة كثيراً ، و أصبحت سناء هاجسها الأوحد ، فما تعانيه هذه الفتاة تعرفه الجدة و تفهمه كامرأة لها خبرتها في الحياة . لقد اشتكى الناس من طباعها الفظة ، فهناك الكثير من الفتيات اللاتي لم ينعم الله سبحانه عليهن بالزواج ، تكيفن مع واقعهن بصورة سوية و ألفن الناس بتلقائية ، و قد يقاسين المرارة و الوحدة سراً لكنهن في العلن يتصرفن بأدب و كياسة ، و إلا هذه الفتاة التي أكلتها نار الحسد من أية فتاة جميلة أو متزوجة و لها أولاد . تنتقص من الأخريات بصورة جارحة ، فتصف الجميلة بالغبية و تلك المنجبة بالأرنبة ، وأخرى بالمغفلة ، نساء يأسرهن رجال جلادون !
لكن ، لم يقترب أحد إلى عمق هذا الغول المتوحش ، تلك الشخصية التي تقود موضفيها بخشونة و صلابة مخيفة إلى حد جعلت العمل يسير بدقة شديدة الخوف و الرهبة التي أشاتها في نفوس العاملين معها ، أثارت في قي قلوبهم الأحقاد الحمراء ، و الدعوات الصارخة عليها كل صباح لما في سلوكها من ظلم و تعسف . فسياستها فاشلة ، و اسلوبها جاف ، و الموظفات بدأن يتسربن من بين يديها و هيمنتها ، و ينتقلن إلى أقسام أخرى ، عمت الفوضى بعد دقة العمل و نظامه ، لقد طفح الكيل ، وصلت الشكاوى و حالة التذمر إلى كبار المسؤولين ، فالإنتاج لم يعد كسابق عهده ، و التقارير كلها تشير إلى اضطراب العمل ، و حالة التذبذب تشير إلى سوء القيادة و التنظيم ، فجاء قرار و زاري بتجميدها !
تنفس الجميع الصعداء ، و استراحت النفوس و استرخت الأعصاب المشدودة ، لكن لعناتها المحمومة أضحكتهم و أبكتهم في نفس الوقت . ثارت ثائرتها خرجت من مكتبها لتستكشف حقيقة الأمر ، فلم تجد لصوتها أذن صاغية ، بل وجوه مكفهرة ، و نفوس معرضة ، فأكلتها الوساوس و الظنون ، فما حدث لها مؤامرة من الحاسدين و الحاقدين ، هاجت كالطير الجريح و صالت و جالت فلم تصل إلى نتيجة ، و لم تقطف ثمار جهدها في استرداد قيادتها ، تعذبت حتى ذوت قواها ، و أرخت حبال أعصابها المشدودة بعد أن بلغت ذروة الانفجار . استسلمت إلى حقيقتها المرة فحبست نفسها في دوامة من الحزن و الكآبة ، و لبست حولها قشرة يابسة تحميها من هزيمتها النفسية في استرجاع كرامتها المهدورة .
تركت الحياة ، و أدمنت على غربة الليل الحزين ، كانت تجلس صامتة فوق سريرها البارد ، تناجي الظلام ، تضع وجهها بين كفيها في يأس صامت ، و استسلام مميت ، لا تأكل ، لا تشرب ن لا تتنفس ، شعرها الأشعث ينسدل على كتفيها بتمرد ووحشية ، مقبرة قد حفرتها غي غرفة النوم ن تحجرت مقلتيها و يبست مآقيها ، لأنها ظلت تحدق في الظلام دون أن تتعب فما في قلبها ينزف بقوة ، فلم يسبق لعينيها قطرة دمع ، ترطب فيها هذا الحزن ليتنفس .. ليعبر عن خلجاته الدفينة ، ونبضاته الوجيعة ، فخل هذا الباب الموصد ، إنسانة تحترق ، و تكتوي بنار الإنتظار و الترقب للموت ، بينما الجدة المسكينة قد داهمها المرض بعد أن أتعبتها تلك الإبنة المضربة عن الحياة و الطعام ، تطرق الباب عليها كل يوم فلا من مجيب ، تختلس النظرات من ثقب الباب فتجدها جالسة القرفصاء . صمت مطبق في سماء هذا البيت ، تخرج سناء إلى الحمام و كأنها تمثال من الشمع تحركه يد القدر دون إرادة ، لا تبدو عليها انفعالات أو علامات ، بل جمود قاس ، ووجه عابس ، وقلب يحتضن بين جنبيه مرارة تكابدها صاحبته بصمت .
اتصلت الجدة بصديقة سناء الحميمة ، لتحدثها بالقصة كاملة حتى اقتنعت بضرورة عرضها على طبيب نفسي ، فقد مضى على حالها أيام و أسابيع و لم تجد هناك ثمة بارقة نور تضيء روحها لتحيى .
اقتربت ناهد من باب سناء ، تطرقها طرقا حانياً مستحثة لحجتها بعذوبة و طيبة ن و بعد محاولات عدة فتحت سناء الباب ، كانت تبدو كالشبح المخيف ، ذابلة ، مرعبة ، احتضنتها صاحبتها برفق و لين ، حاولت أن تسقيها بعضاً من العصير ، فشفتاها ذابلتان ، قد ضلتا الطريق عن الطعام و الشراب ، ترفقت بها صاحبتها الذكية و نصحتها بصوت الإيمان و الدين فوجدت فيها ميلاً خفيفاً إلى التجاوب و الانفعال
فأخذت تشرب الحساء والعصير ، لكن قلبها ما زال معرضاً عن الحياة ، نافراً عن العمل و النشاط ، رافضاً كل معاني التجاوب و الانفعال مع الآخرين .
أحست صديقتها (( ناهد )) أن مهمتها شاقة جداً ، فأقنعت صاحبتها أن ما تفعله حرام ، بل هو نوع من الانتحار يعاقب عليها دين .
تنهدت سناء و هي تشفق على نفسها :
- لا أدري ماذا أفعل ؟ ليس لي رغبة في فعل أي شيء ، كرهت نفسي ، كرهت جدتي ، كرهت هذا البيت البارد ، كرهت حياتي الفارغة .
ابتسمت ناهد لتزيح عن وجهها هذا الوجوم و تضفي جواً من المرح على أجواء الحوار ، فلعل إفضاء صاحبتها بما تعانيه يخفف من آلامها فاستحثتها على الكلام ..
اجترت سناء أنفاسها بصعوبة ،و راحت تشهق كمن يجر من قلبه حسرات ثقيلة فانفجرت بنوبة بكاء حادة ، مريرة .
احتضنتها ناهد بحنان وهي تقول مخففة نها حدة التوتر :
- ما رأيك لو تقابلين الدكتور حسين استشاري نفسي ، سيساعدك في تخطي هذه المحنة ؟!
انتفضت سناء
- لا .. أنا لست مجنونة لأفعل ذلك
احتوت ناهد الموقف بهدوء قائلة :
- إنه استشاري في الإراد النفسي ، و أظنك في حالة نفسية متأزمة ، تحتاجين إلى مشورته ، في العام الماضي أخذت و لدي إليه لحل مشكلته
فلا تتحرجي من هذا الأمر .
صمتت سناء و كأنها اقتنعت بالفكرة .. بعد تردد فاستطردت بعد تفكير :
- سأحاول .
بدت ناهد على يديها مشجعة
- قرري و افعلي ، سآخذك إليه غداً مساءً .
استراحت الجدة ، و هدأ بالها ، و رفعت كفيها إلى السماء شاكرة ربها ، داعية الله عز و جل ان يشفي ابنتها من هذا المس الشيطاني .
و في مساء اليوم التالي رافقت سناء صاحبتها ناهد ‘لى عيادة الدكتور .
و بعد انتظار طويل دخلت سناء إلى الغرفة .
في عيادة الدكتور :
بادرها الدكتور بالسلام و التحية و قام من كرسيه ، و جلس و راء طاولة مستديرة ، ليكون بالقرب من سناء ، رفع يده إلى ألى و قال اقرأي
العبارة التي أمامك .
(( إن لله عباداً اختصهم بحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله )) .
بكت سناء عند قراءتها للعبارة .. استمرت بالبكاء .
صمت الدكتور .
سناء :
- أين أولئك الناس الذين ألجأ إليهم يا دكتور ، هذه مثالية .
الدكتور :
- إنهم معك و حولك و لكنك لا ترينهم ، (( لولا دفع الله الناس بعهم ببعض لفسدت الأرض و الله ذو فضل على العالمين ))
أخذت سناء نفساً عميقاً و قالت (( لا أعرف ما أصابني ، سئمت من الحياة يا دكتور ))
قال الدكتور :
(( و لا تيأسوا من روح الله و من ييأس من روح الله فأولئك هم القوم الكافرون ))
سناء :
- إني آمل يا دكتور أن أجد حلاً لمشكلتي .
الدكتور:
- الحل بيني يديك و لكنه يكمن في تخلصك من التوترات التي تتحكم في جسمك و تفكيرك .
سناء :
- و كيف يتم ذلك ؟
الدكتور :
- كلما تخلص الإنسان من الاحساسات و التوترات في جسمه كلما استطاع ان يفكر ملياً و يهتم بنفسه أكثر و ينظر إلى من حوله نرظرة شمولية
فما رأيك بأخذ جلسة استرخاء؟
سناء :
- نعم يا دكتور إني بحاجة إلى هذه الجلسة.
الدكتور :
استلق على هذا الكرسي المريح و اسمتمعي الى التعليمات التي من شأنها أن تقلل من الاحساس بالتوترات في جسمك .
امضي عينينك ، و ركزي انتباهك إلى ذراعك اليسرى ، اغلقي راحة دك اليسرى ، ركزي كل انتباهك الآن على ذراعك اليسرى (( الذراع
اليسرى بشكل خاص )) ، اغلقي راحة يدك اليسرى ، اغلقيها بإحكام و بقوة .
لاحظي أن علات يدك الآن و عضلات مقدمة الذراع اليسرى تنقبض و تتوتر و تشتد .
انتبهي إلى هذا التوتر و الشد .. لاحظيه !
الآن اتركي هذا ، افتحي يدك اليسرى و ارخيها و ضعيها على مسند الأريكة .
لاحظي الفرق بين ما كانت عليه من شد و توتر و ما هي عليه الآن من استرخاء .
اصمتي لعشر ثوان فقط .
- كرري هذا التمرين . .اغلقي راحة يدك اليسرى بإحكام و قوة ، و لاحظي التوتر و الشد من جديد ، ثم اتركي هذا كله ، افتحي يدك اليسرى
و دعيها ي وضعها المريح و لاحظي ما كانت عليه من توتر و ما هي عليه من استرخاء .
لنتجه الآن إلى يدك اليمنى .. اغلقي راحة يدك اليمنى بإحكام ، و لاحظي التوتر في اليد اليمنى و الذراع .
اصمتي لخمس ثوان .
الآن استرخي ، استمري في وضعك المريح و ارخي يدك اليمنى . لاحظي الفرق بين ما كانت عليه من توتر و ما هي عليه الآن من شد وتوتر.
ارخيها و اتركيها في وضع مريح ، و افردي اصابعك باسترخاء .
لاحظي أن هناك تنميلاً و ليناً قد بدآ ينتشران في ذراعيك اليمنى و اليسرى . كلتا ذراعيك الآن قد بدأت تسترخي و تسترخي ، الآن سنتجه إلى
راحة اليد ، إثن راحتيك كلتيهما إلى الخلف غلى أن تشعري بالشد و التوتر في المعصم و ظهر اليد ، لاحظي هذا التوتر .
الآن استرخي و عودي بمعصميك إلى و ضعهما المريح ، و لاحظي الفرق بين التوتر و الاسترخاء ، افعلي ذلك لمدة عر ثوان ، ثم كرري هذا مرة أخرى
افردي معصمك إلى الخلف ليكون الشد في مقدمة الذراع و خلف راحة اليد ثم استرخي و ارخي معصميك ، عودي بهما إلى وضعهما المريح .
دعي نفسك على سجيتها ، و اشعري باسترخاء أكثر و أكثر .
- سننتقل الآن إلى الكفين ، اطبقي بإحكام كفيك ، و اثنيهما في المقدمة في اتجاه الذراعين إلى أن تشعري بتوتر عضلا أعلى الذراعين ،
في ذلك الجزء الممتد من الرسغ حتى الكوع .
حاولي أن تلاحظي التوتر و أن تشعري به ، الأن استرخي ، اسقطي ذراعيك إلى جانبيك ، و لاحظي الفرق بين التوتر السابق في علات الذراع
وما هي عليه الآن من الاسترخاء النسبي الذي تشعرين به.
(( عشر ثوان صمت )) كرري هذا مرة أخرى .
اقبضي الآن كفيك بإحكام و اثنيهما في تجاه الكتفين محاولة أن تلمسيها بقبضتك ، توقفي و اسقطي ذراعيك و استرخي .
ستشعرين بالتناقض بين التوتر و الاسترخاء .
دعي تلك العضلات على سجيتها أكثر فأكثر (( لمدة عشر ثوان ))
- الآن سنتحول إلى الكتفين ، ارفعي كتفيك كما لو كنت تريدين لمس أذنيك بكتفيك .
لاحظي التوتر الذي يظهر في الكتفين و في عضلات الرقبة ، لاحظي هذا التوتر .
توقفي الآن .
استرخي و عودي بكتفيك إلى وضع مريح ن دعي عضلاتك على وضعها الطبيعي أكثر فأكثر .
لاحظي من جديد الفرق و التعارض بين التوتر السابق و الاسترخاء الذي بدأ ينتشر في الكتفين (( عشر ثوان ))
كرري هذا الأمر مرة أخرى .
سنذهب الآن إلى عضلات الوجه ، عليك أن تغمضي عينيك أو تجعدي جبهتك إلى أن تشعري بأن عضلات الجبهة قد اشتدت و إن جلدها قد تغصن
الآن استرخي ، ارجعي بعضلات الجبهة إلى وضعها الطبيعي ، ارخيها أكثر فأكثر لمدة عشر ثوان .. كرري التمرين مرة أخرى .
لاحظي التوتر في منطقة الجبهة و أعلى العينين ، الآن إرخي الجبهة ، استرخي بعضلاتها .
و لاحظي من جديد التعارض بين التوتر و الاسترخاء (( عشر ثوان ))
الدكتور :
- سنذهب الآن يا سناء إلى العينين
إغلقي عينيك بإحكام و قوة حتى تشعرين بالتوتر الذي سيشمل المنطقة المحيطة بالعينين و بالعضلات التي تحكم حركات العينين ( لمدة خمس ثوان )
الآن دعي تلك العضلات على سجيتها في وضعها المريح ( 10 ثوان )
ٌٌٌٌٌ- الآن نتجه إلى الفك و الأسنان ، اطبعي فكيك و أسنانك بإحكام كما لو كنت تعضين على شيء ما ، لاحظي التوتر في الفكين ( 5 ثوان ) والآن
دعي فكيك و استرخي و دعي شفتيك منفرجتين قليلاً ..
لاحظي التعار بين التوتر و الاسترخاء في منطقة الفكين ( 10 ثوان )
مرة أخرى إطبقي الفكين ، لاحظي ما فيهما من توتر ( 5 ثوان ) ، الآن دعي ذلك و اتركي نفسك على طبيعتها و استرخي أكثر فأكثر
(10 ثوان )
- الآن اتجهي نحو شفتيك ، اضعطي كل منهما على الأخرى بإحكام ، اضغطي كل منهما على الأخرى بكل ثقلك و لاحظي التوتر الذي بدأ ينتشر حول
الفم ، الآن استرخي وارخي عضلات شفتيك ، و دعي ذقنك في وضع مريح
مرة أخرى اضغطي على شفتيك ولاحظي التوتر المحيط بالفم ( 5 ثوان )
لاحظي كيف أن تلك العضلات قد بدأت تتراخى بد هذا الشد و الاسترخاء المتوالي .
الآن كلتا يديك ووجهك و ذراعيك و كتفيك و مختلف عضلاتك جميعها مسترخية في وضع هادئ و مريح .
- لنذهب الآن إلى الرقبة ، اضغطي برأسك إلى الخلف على المساحة التي تستند إليها .
إضغطي غلى أن تشعري بتوتر في خلف الرقبة و الجزء الأعلى من الظهر بالذات
استمري بذلك .
الآن ، دعي هذا و ارجعي برأسك إلى وضعه المريح .
حاولي أن تلاحظي الفرق بين التوتر و الاسترخاء العميق الذي عليه الآن ، استمتعي بذلك أكثر فأكثر و قولي
(( أنا الآن في وضع مريح ، هادئ ، مسترخي ))
خذي نفساً عميقاً ، عميقاً ، عميقاً
الآن مدي راسك إلى الأمام كما لو كنت ستضمين ذقنك إلى صدرك ، لاحظي التوتر الذي سيحدث في الرقبة
الآن استرخي .
دعي كل هذا ، و استرخي على طبعيتك ( 10 ثوان ) كرري لك ( 10 ثوان )
- الآن عضلات الجزء الأعلى من الظهر ، قوسي ظهرك ، قوسيه كما لو كان صدرك سيلتص ببطنك .
لاحظي التوتر في الظهر، خاصة الجزء الأعلى .
الآن ، استرخي ، عودي بجسمك غلى وضعه الطبيعي ، و مدي ظهرك في وضع مريح على الأريكة .
لاحظي الفرق بين التوتر السابق في الظهر و الاسترخاء الحالي ( 10 ثوان )
مرة أخرى كرري التمرين و لاحظي التوتر المستثار ( استمري قليلاً 5 ثوان ) عودي الآن بعضلات ظهرك إلى وضعها المسترخي و اتركي
كل شيء على طبيعته (10 ثوان )
- الآن يا سناء خذي نفساً عميقاً ، شهيقاً عميقاً ، ثم لاحظي أن التوتر قد بدأ ينتر في الصدر و في أسفل البطن ن الآن استرخي و كوني على طبيعتك،
اخرجي الهواء ، و استمري في تنفسك العادي ، لاحظي من جديد التعارض بين ما عليه الآن صدرك و بطنك من استرخاء و ما كانا عليه من توتر ( 10 ثوان )
كرري ذلك التمرين مرة أخرى .
- خذي شهيقاً عميقاً و اكتميه ، لاحظي التوتر و العلات التي تتوتر ، و الآن ازفري و تنفسي بطريقة عادية و مريحة ، و اتركي عضلات الصدر و البطن
في استرخاء أكثر فأكثر كلما تنفست ( 10 ثوان )
- ننتقل الآن يا سناء إلى عضلات البطن ، شديها إلى الداخل ، حافظي على هذا الوضع قليلاً .. الآن استرخي .
دعي تلك العضلات تتراخى ، استرخي و دعي نفسك على طبيعتها ( 10 ثوان )
كرري ذلك من جديد .
شدي عضلات بطنك بإحكام إلى أن تشعري بتوترها ، لاحظي هذا التوتر (5 ثوان )
الآن استرخي ، دعي كل شيء يتراخى في عمق أكثر فأكثر و أكثر ، توقفي عن الشد و تخلصي من أي توتر في أي عضلة و لاحظي التعارض
بين التوتر و الاسترخاء ( 10 ثوان )
- افردي الآن ساقيك و ابعديهما بقدر ما تستطيعين ، افرديهما حتى تلاحظي التوتر المستثار في منطقة الفخذ ( 5 ثوان ).
الآن استرخي و دعي ساقيك تسترخيان .
لاحظي الفرق من جديد بين التوتر السابق للفخذين و ما هما عليه الآن من وضع مريح ، و اسرتخاء محسوس (10 ثوان )
كرري ذلك من جديد .
الصقي ركبتيك ، ابعدي رجليك بقدر ما تستطيعين حتى تشعري بتوتر شديد في الفخذين ( 10 ثوان )
الآن استرخي ، ارخي عضلات جسدك ، دعي كل الأعضاء على طبيعتها .
- سنتجه الآن إلى بطن الساق ، حاولي أن تشدي عضلاتها ، اثني قدميك إلى الأمام في اتجاه الوجه .
انتبهي إلى أنك عندمنا تثنين قدميك في اتجاه الوجه ستشعرين بالشد و التوتر و الانقباضات العضلية في بطن الساق و في القصبة على السواء
الآن استرخي .
ارجعي بالقدمين إلى وضعهما السابق ، ثم احظي الفرق بين الشد و الاسترخاء (10 ثوان ) .
اثني قدميك إلى الخلف باتجاه رسغ القدم ، محاولة أن تجعلي أصابع القدمين ممتدة في اتجاه الرأس ، و لاحظي الشد في قصبة الساقين و بطنهما ، استمري قليلاً
الآن ارجعي إلى طبيعتك ، مسترخية بكل علاتك إلى وضعها السابق .
(( استرخي ، أعمق ، أعمق ، فأعمق ))
- الآن يا سناء كل مناطق الجسم مسترخية ، مع ملاحظتك الفرق بين التوتر و الاسترخاء .
لاحظي أنك تستطيعين ان تشدي عضلاتك و أن توتريها و بالقدر نفسه تستطيعين أن تسترخي بجسمك كله ، إنك تسترخين الآن ، ثم راجعي معي الآن من أسفل إلى أعلى ..
كل عضلات جسمك إذا لم تكن مسترخي فارخيها حالاً ..
لنبدأ بعضلات القدم ، و بطن الساق ، و الرسغ ، جميعها مسترخية (5 ثوان )
ارخي عضلات الفصذين و الركبة و بطن الساق و القصبة (5 ثوان )
ارخي العجز و الردفين (5 ثوان )
ارخي البطن و أسفل الظهر و الوسط (5 ثوان )
أعلى الظهر و الصدرو الكتفين (5 ثوان )
راحة اليد و الأصابع و الذراعين (5 ثوان )
الرقبة و الزور (5 ثوان )
جبهتك مسترخية (5 ثوان )
الآن كل عضلات الجسم مسترخية و مستلقية في وضع مريح ، استمري ي هذا الوضع المريح ، و سأعد من واحد إلى عشرة ، و في كل مرة حاولي أن تسترخي أعمق فأعمق
..1،2،3،4،5،6،7،8،9،10..
جميل أنك أخذت الآن قسطاً وفياً من الاسترخاء .
و قبل أن أعد ، العد التنازلي ، تحدثي معي مالذي تشعرين به ..
10،9،8،7،6، ..
سناء وفي نبرة ودعة تقول :
- أشعر أنني في عالم آخر ..
الدكتور مستجوباً :
- وكيف ؟
تهمس بهدوء :
- صفاء ، هدوء ، كأن الحياة حلوة ، جميلة .
و يؤكد الدكتور إحساسها :
- وهي كذلك يا سناء ، فكلما كان الإنسان صافي التفكير هادئ البال ، كلما كانت الحياة حلوة و جميلة ، و لكنعلينا أن نحافظ على ذلك الجمال و أن ننظر إلى الاشراقات الجميلة فيها و الايجابيات التي تلهمنا دائماً بالسعادة و التفاؤل ، و الآن قولي لي يا سناء .. ماذات تودين أن تفعلي الآن ؟
قالت سناء :
- أرغب أن أعود الى عمليو أن أهتم بنفسي و أن أحب الناس و لا أبالي بالمنغصات ، الآن أكون مع نفسي طيعة لينة ، و أن أرى الله بنفس واثقة من رحمته حتى يكون الله معي ، سأترك كل الهموم التي تؤلمني ، ليس من شيء في الحياة يستحق أن يأخذ من تفكيراً يوترني ، سأنتقي ناسي ، أفكاري ، سأنطلق بحرية و حيوية .
الدكتور مشجعاً :
- جميل يا سناء ، حافظي على هذا الشعول الجديد لأنه سيهزم اليأس و الإحباط من نفسك ، ستجدين الحياة ملية بالآمال و التطلعات الرائعة
الدكتور :
- والآن سأعد من 5 إلى واحد و عندما أصل إلى 1 افتحي عينيك ..
5 ، 4 ، 3 ، 2 ، 1
عيناك الآن مفتوحتان ، و أنت في كامل يقظتك و في كامل نشاطك .
تجيب سناء في مرح :
- شكراً لك يا دكتور ، إنني إنسانة أخرى ، لم أشعر بلك من قبل .
وفي طريقها إلى الانصراف قدم لها الدكتور شريط كاسيت قائلاً :
- ضعيه في سيارتك، اسمعيه دائماً فهو مريح للأعصاب .
اخذته متسائلة :
- هل هو شريط موسيقى ؟
ابتسم الدكتور :
- بل سور قصار من القرآن الكريم .
و دعته و انصرفت وهي في كامل حيويتها . تذكرت الإشراقات الجديدة ، و التطلعات السعيدة ، فربما غداً أروع من هذا اليوم ، و المستقبل أجمل من الحاضر ، فالسعادة إحساس قد يصنعه الإنسان في نفسه دون أن يملك مقومات الحياة المادية ، قد أمتلك كل شيء لكني لست سعيدة ، و قد لا أملك أي شيء و مع هذا سعيدة ، ستفهم الحياة بمنظار وردي بمقاييس القناعة التي ستزرعها في نفسها . ستحب نفسها كثيراً و ستعتني بجدتها المريضة ، أول قرار اتخذته و هي في طريقها إلى البيت ، أن تبتعد عن كل الأجواء المزعجة و التي تثير غضبها ، ستتخذ لها وظيفة مريحة ، تحميها من الضغوط النفسية ،
فكرت أن تستقيل من وظيفتها الحكومية ، لتبدأ بمشروعها الذي كانت تحلم به ، مشغل خياطة ، و مطعم لصنع المعجنات ، ستحميها هذه المشاريع من غدر الزمن و عوز الحاجة ، فقد جمعت ثروة كبيرة تؤهلها لأن تتحرر من القيود و الروتين و الرتابة ، لكنها الآن تخطط للسفر ، فهي تحتاج إلى إجازة طويلة لتسترد صحتها و عافيتها .. استقبلتها جدتها بفرح و سعادة ، فقد ردت إليها الحياة من جديد و انبعثت الحرارة في عروقها الميتة ، قالت و هي تتفحص هندامها أمام المرآة :
- استعدي للسفر إلى القاهرة يا جتي ، فأنا بحاجة الى راحة و استجمام .
تهلل وه الجدة .
- حاضر سأعد الحقائب يا ابنتي .
خطوات جريئة تتخذها سناء و هي في طريق التغير و النقلاب حتى يكاد يومها ينقضي دون أن تنجز أعمالها نشاطاتها ، أخذتها دوامة الحياة و انخرطت في أعمالها الكثيرة و مشاريعها المتعددة حتى نسيت نفسها ، ونسيت أن هناك هماً اسمه العنوسة ، فهو اصطلاح يطلقه الناس حينما يسترخون على مقاعدهم في بلادة و كسل ، فللحياة ادوار و عطاءات و مواقع ، و كل فرد يكمل الآخر ، و ما قدمته سناء في حياتها أثمر ينابيعاً متدفقة من الخير و العطاء ، فتركت هذا الإطار السوداوي المسمى بالعنوسة ، و انطلقت تغرف فيوضات إبداعها فقد اشتهر مشغلها و توسعت نشاطاتها ، إذ أسست حضانة كبيرة للأطفال و أشرفت عليهم كما لو كانت أماً لهم حتى كتب عنها الصحافيون و عرفت بحبها للخير و التضحية ،
فما الذي تغير في سناء .. هل هي جلسات الاسترخاء التي كانت تأخذها عند الطبيب ، أم استعدادها الكبير لأن تتغير وتتبدل أحوالها و تتحكم في تكوينها النفسي و تشطله في شاكلة جديدة
إن الله سبحانه وتعالى يقول : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))
لقد قتلت هذا الوحش المتطفل في أعماقها وتغلغل في شرايينها حتى شوه طباعها بطابع أسود ، بإرادتها بإصرارها ، بمعايشتها لظروف الخير و أجواء الر ، و عرفت أن الجمال كله في الخير ، و حب الناس ، وفي خدمتهم.
تذكرت مقولة الدكتور ، فيما قال لها يوماً (( أحب الناس إلى الله ، أنفعهم إلى الناس ))
تخلصت من العدوانية الشرسة و ارتدت ثياب الطهر و النقاء و الطيبة فاستكانت ملامح وهها ، و تبددت القسوة ، و توهج وجهها بنور داخلي متدفق من أعماق قلبها الصافي.
تفجرت فيها الأمومة ، ذلك الحنان المتأصل في كل أنثى ن أحسته مع أطفال الحضانة مع كل الناس .. كم هو عميق الإنسان و كبير في جوهره طالما عرف كيف يتغلغل إلى أعماق نفسه ليكتشفها عن قرب .
عادت مجالسها مرة أخرى و جمعت صديقاتها في حديقة المنزل ، و زينت الأشجار بمصابيح مضيئة بدت كحلة عروس تتلألأ في سواد الليل .. أصبحت الآن أماً ناصحة ، حنونة ، تقرأ الكتب الفكرية ، و البحوث الاجتماعية ، تبلورت الآ، شخصيتها كما لو كانت أستاذة حكيمة يلجأ اليها الناس طلباً للمشورة .
فالعنوسة ليست نهاية لأنثى ، بل هو بداية لتحدي مرحلة جديدة في الحياة و مقاومة التيار المضاد بإرادة قوية عزيمة ثابتة و الانطلاق في الحياة دون قيد اجتماعي ، و يمكن للانسان أن يتحكم في نوازعه النفسية متى أذابها في حب الآخري قد لا يكون هو البديل الأفضل ، لكنه الطريق الأسلم لرقي الإنسان و صعوده إلى الأعلى .
% نهاية القصة %